السبت، 21 يونيو 2025، نظم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)، بالتعاون مع المجلس الدولي للتحكيم التجاري (ICCA)، وتحت رعاية وزارة العدل المصرية، فعالية رفيعة المستوى ضمن سلسلة New York Convention Roadshow حول الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
أُقيمت الفعالية في مقر المركز في القاهرة، وشكلت محطة بارزة في انخراط القضاء الإقليمي مع المعايير الدولية للتحكيم. وقد تكفلت مؤسسة Gaillard Banifatemi Shelbaya Disputes (GBS Disputes) بتغطية تكاليف السفر والإقامة لعدد من القضاة الأجانب المشاركين، كما تولت Youssef + Partners رعاية الغداء، تأكيدًا على دعمهما المتواصل لمجتمع التحكيم في مصر والمنطقة.
جمعت ورشة العمل المتميزة هذه ثمانية وستين قاضيًا، من بينهم ستة وستون قاضيًا مصريًا رفيعي المستوى، تم ترشيحهم من قبل الجهات القضائية المختصة، بالإضافة إلى ضيفين قضائيين مميزين من الصومال.
ومن بين القضاة المصريين، شاركت ثماني قاضيات، في دلالة واعدة على تمثيل قيادي نسائي متنامٍ داخل السلك القضائي. وقد مثل القضاة المشاركون طيفًا واسعًا من الهيئات القضائية، من بينها محكمة النقض، المحكمة الدستورية العليا، محكمة استئناف القاهرة، إدارة التحكيم والتعاون الدولي بوزارة العدل، إضافة إلى عدد من المحاكم الابتدائية والاقتصادية في مختلف أنحاء الجمهورية.
هدفت الورشة إلى تعميق الفهم والتطبيق العملي لاتفاقية نيويورك لعام 1958، التي لا تزال تُعد الأداة الأساسية للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم على المستوى العالمي.
افتُتحت الورشة بجلسة ترأسها الأستاذ الدكتور إسماعيل سليم، مدير مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)، حيث رحّب بالمشاركين وأكد على الدور الحيوي للقضاء في الحفاظ على نزاهة التحكيم الدولي. وانضم إليه المستشار مصطفى البهبيتي مساعد وزير العدل لشؤون التحكيم والمنازعات الدولية، الذي ألقى كلمة افتتاحية جدّد خلالها التزام الوزارة بدعم التحكيم في مصر باعتباره آلية موثوقة لحل المنازعات.
عقب ذلك، قدّم الأستاذ الدكتور محمد عبد الرؤوف، عضو اللجنة القضائية التابعة للمجلس الدولي للتحكيم التجاري (ICCA) والمسؤول القضائي الإقليمي لـ ICCA في منطقة الشرق الأوسط، كلمة تمهيدية شدد فيها على التزام ICCA بالتدريب القضائي وأهمية وجود تفسير إقليمي منسجم لأحكام الاتفاقية.
ترأس أولى الجلسات العملية معالي المستشار نبيل عمران، نائب رئيس محكمة النقض المصرية والمفوض العام بمحكمة التمييز بدبي. تناول عرضه الأحكام الجوهرية في اتفاقية نيويورك، بما في ذلك نطاق تطبيق الاتفاقية، والاعتراف باتفاقات التحكيم، وإحالة القضايا إلى التحكيم من قبل القضاء، والجوانب الإجرائية لتنفيذ الأحكام التحكيمية.
وقد أتاح التحليل المقارن بين النهجين القضائيين في مصر والإمارات للمشاركين فهماً معمقاً للتطبيق العملي للاتفاقية في السياقين، واختتمت الجلسة بحوار تفاعلي ثري بين الحضور ومعالي المستشار.
تناولت الجلسة الثانية التطبيقات القضائية الوطنية والدولية لاتفاقية نيويورك. وقد استعرض معالي المستشار نبيل صادق، النائب الأسبق لرئيس محكمة النقض والنائب العام السابق، عرضاً مفصلاً لأحدث الاتجاهات القضائية المصرية في تفسير المادة الثالثة من الاتفاقية، مسلطاً الضوء على المبادئ القانونية المستقرة في هذا الصدد.
تلاه عرض قدّمه الأستاذ محمد شلباية، الشريك المؤسس في مكتب GBS Disputes (باريس)، تناول فيه أحدث قرارات المحاكم الفرنسية بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، موضحاً التطورات القضائية المقارنة ذات الصلة.
وقد أضفى النقاش المفتوح مع الحضور طابعاً تفاعلياً ثرياً على الجلسة، وأسهم في تعزيز الفهم المتبادل للاتجاهات القضائية بين الأنظمة القانونية المختلفة.
ومن أبرز محطات اليوم كانت مداخلة معالي المستشار مصطفى البهبيتي مساعد وزير العدل للتحكيم والمنازعات الدولية، حيث استعرض المقترح المقدم من وزارة العدل لتعديل المادة (3) من قانون التحكيم المصري، بهدف تعزيز تيسير تنفيذ أحكام التحكيم داخل مصر.
وقد أبرزت هذه المداخلة تطور الإطار التشريعي الوطني، وأكدت على النهج الاستباقي الذي تتبناه الوزارة في دعم التشريعات الصديقة للتحكيم، بما يعكس التزام الدولة بتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي رائد لتسوية المنازعات بالطرق البديلة.
استُؤنفت الجلسة الثالثة بعرض مفصل قدمه الأستاذ الدكتور محمد عبد الرؤوف، حيث تركزت المناقشات حول المادتين الرابعة والخامسة فقرة (1) من اتفاقية نيويورك. وتناول العرض المتطلبات الإجرائية اللازمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، بالإضافة إلى الأسس المحدودة التي يجوز بموجبها للمحاكم الوطنية رفض التنفيذ.
ومن خلال أمثلة واقعية وإشارات إلى أحكام قضائية، قدمت الجلسة إرشادات عملية لتطبيق الاتفاقية من قبل القضاة، مما ساهم في تعزيز الفهم العملي لكيفية التعامل القضائي مع طلبات تنفيذ أحكام التحكيم وفقًا للمعايير الدولية.
اختُتمت الورشة بجلسة رفيعة المستوى تميزت بحوار تفاعلي جمع كلًّا من الدكتور إسماعيل سليم، والأستاذ الدكتور محمد عبد الرؤوف، والأستاذ محمد شلباية، حيث قدّم كل منهم رؤى متكاملة حول التطور المتسارع للمشهد القانوني للتحكيم في مصر والمنطقة.
وقد اعتُبرت هذه الجلسة من أكثر الجلسات ثراءً وتطلعًا نحو المستقبل، إذ جمعت بين الإصلاحات التشريعية الوطنية والممارسات المقارنة على المستوى الدولي. وتمحورت المناقشات حول الإشكاليات المتعلقة بقابلية النزاع للتحكيم والنظام العام، كما وردت في المادة الخامسة فقرة (2) من اتفاقية نيويورك.
وتوسّعت النقاشات لتشمل تفاعل الاتفاقية مع الآليات القانونية الإقليمية، خاصة اتفاقية الرياض للتعاون القضائي بين الدول العربية، بالإضافة إلى المادة السابعة من الاتفاقية، التي تجيز تطبيق أنظمة تنفيذ أكثر تفضيلاً وفقًا للقانون الوطني أو الاتفاقيات الثنائية/الإقليمية.
واختُتمت الجلسة بتبادل ثري لوجهات النظر القضائية من قبل الحضور، مما أضفى على النقاش طابعًا عمليًا وعمقًا فكريًا يُعزز من قدرة القضاة على التعامل مع قضايا تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في السياقات الوطنية والإقليمية.
خلال الجلسة، أثرى المتحدثون الحوار بالإشارة إلى سوابق قضائية ذات صلة، وتطورات تشريعية، وأحكام مقارنة من أنظمة قانونية متعددة، مما ساهم في تقديم رؤية شاملة ومعمّقة حول موضوعات الاتفاقية.
ثم فُتح المجال لتبادل نقاشي مثمر مع الحضور، حيث شارك القضاة الحاضرون تجاربهم العملية من مختلف الجهات القضائية التي يمثلونها، وطرحوا تساؤلات حول التحديات التطبيقية التي تواجههم، كما قدموا رؤى مقارنة أبرزت أهمية استمرار الحوار القضائي الإقليمي كأداة لتعزيز التفسير المنسجم للاتفاقية وتفعيل دور القضاء في دعم التحكيم الدولي.
مع اقتراب الحدث من نهايته، ساد القاعة جو من الإثراء المتبادل والتفاعل المهني البنّاء. تبادل القضاة انعكاساتهم على الممارسات الوطنية، وشاركوا وجهات نظرهم حول التحديات التفسيرية المشتركة، وأعربوا عن تقديرهم لهذه الفرصة القيمة للمشاركة في هذا الحوار القضائي الإقليمي الهام، مؤكدين على أهمية تعزيز التعاون المستمر بين الأنظمة القضائية لدعم التحكيم الدولي وتوحيد المفاهيم القانونية في المنطقة.