القاهرة – ٥ فبراير ٢٠٢٥
في أمسية فكرية متميزة، نظم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ندوة علمية قدمها الدكتور جورج عفاكي، محكم دولي بارز، وقاضي في محكمة قطر الدولية، ومحامٍ أمام المحاكم الفرنسية، وأستاذ محاضر في جامعة باريس. يتمتع الدكتور عفاكي بخبرة واسعة تمتد لعقود في مجال القانون والتحكيم، مما جعله أحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في هذا المجال. كما أنه عضو في العديد من الهيئات القانونية الدولية وعمل مستشارًا للعديد من الحكومات والمؤسسات في القضايا المتعلقة بالتحكيم وتسوية النزاعات. وإلى جانب خبرته العملية، لديه إسهامات أكاديمية وبحثية عديدة، ساهمت في تطوير مبادئ التحكيم الحديثة على المستوى الدولي.
تناولت الندوة التي أدارها الدكتور إسماعيل سليم مدير المركز، مفهوم واجب الإفصاح في التحكيم الدولي، وأهمية إعادة النظر في مبادئه الراسخة لضمان النزاهة والحياد في عملية التحكيم. حيث أكد الدكتور عفاكي منذ البداية أن الإفصاح ليس غاية في حد ذاته، بل هو أداة تتيح لأطراف التحكيم اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياد واستقلالية المحكم.
ركزت الندوة على التطورات الأخيرة التي أثرت على عالم التحكيم، مما أتاح للدكتور عفاكي تقديم رؤى معمقة حول دور الإفصاح في تعزيز الشفافية والثقة في العملية التحكيمية. وتضمنت المناقشات موضوعات أساسية مثل المعايير المتبعة في تقييم طلبات رد المحكمين، والعوامل التي قد تثير الشكوك حول حيادهم، ومدى تأثير التشدد في الإفصاح على كفاءة التحكيم الدولي.
كما تناولت الندوة المعايير المعتمدة في طلبات رد المحكمين، حيث سلط الدكتور عفاكي الضوء على الفرق بين المعيار الموضوعي، الذي يركز على تقييم حياد المحكم من منظور طرف محايد ملم بجميع الوقائع، والمعيار الذاتي، الذي يعتمد على حسن نية المحكم ومدى وعيه بضرورة الإفصاح. كما ناقش مدى تأثير سمعة المحكم وأهمية تجنب الانتهازية التي قد يلجأ إليها بعض الأطراف عند تقديم طلبات الرد.
فيما يتعلق بالقضايا التي قد تثير الشكوك حول حياد المحكمين، تطرق الدكتور عفاكي إلى أهمية الحد من حالات فقدان الحياد بحيث تقتصر على التبعية المالية، مع تجاهل العوامل الشخصية أو العلاقات الاجتماعية التي لا تؤثر بشكل مباشر على استقلالية المحكم. كما ناقش الحاجة إلى وضع حدود واضحة لواجب الإفصاح، بحيث لا يشمل الحالات التي تندرج ضمن “القائمة الخضراء” للمحامين الدوليين.
استعرضت الندوة أيضًا التحديات المرتبطة بالإفصاح المفرط، خاصةً في ظل التشدد الذي تتبناه بعض المؤسسات التحكيمية في قبول طلبات الرد استنادًا إلى عدم الإفصاح، حتى في الحالات التي لا تؤثر على حياد المحكم. وأشار الدكتور عفاكي إلى المخاطر التي قد تنجم عن هذا التوجه، لا سيما في التحكيم الاستثماري، الذي شهد تطورات ملحوظة مثل اعتماد المدونة السلوكية التي تحظر ازدواجية الأدوار بين المحكمين والمحامين والخبراء القانونيين.
كما ناقشت الندوة الحلول الممكنة للحد من التشدد المبالغ فيه في الإفصاح، من بينها عدم النظر في أسباب اختيار الأطراف لمحكم معين عند البت في طلبات إبطال أحكام التحكيم، بالإضافة إلى تعزيز مفهوم “واجب التعاون” بين المحكم والأطراف، بحيث يصبح الإفصاح مسؤولية مشتركة، وليس واجبًا حصريًا على المحكم وحده.
وفيما يتعلق بمستقبل التحكيم، أثار الدكتور عفاكي تساؤلات حول إمكانية اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي لإنشاء قاعدة بيانات متكاملة للمحكمين، والتي يمكن أن تتيح التحقق من شفافية الإفصاحات قبل تعيين المحكمين، دون أن تؤدي إلى تزايد طلبات الرد التعسفية.
اختُتمت الندوة بعدد من التوصيات الجوهرية، حيث أجمع الحضور على ضرورة التمييز بين واجب الإفصاح باعتباره التزامًا قانونيًا وبين تقييم مدى تأثير المعلومة غير المُفصح عنها على حياد واستقلالية المحكم. كما تم التأكيد على ضرورة تبني معيار موضوعي في تقييم الحياد، مع تجنب الإجراءات التي قد تعطل سير التحكيم بسبب التشدد غير المبرر في متطلبات الإفصاح.
وفي ختام اللقاء، ألقى الدكتور إسماعيل سليم، مدير مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، كلمة تناولت التحديات التي يواجهها المركز فيما يتعلق بالإفصاح. وأكد أن استقلالية المحكم يجب أن تخضع لمعايير أكثر مرونة مقارنة بتلك المفروضة على القضاة، نظرًا للطبيعة التعاقدية للتحكيم.
وسط تفاعل كبير من الحضور، اختتمت الندوة بنقاشات موسعة، مع توافق عام على ضرورة إيجاد توازن بين الإفصاح المعتدل ومنع التعسف في استخدام طلبات الرد، لضمان استمرارية التحكيم الدولي كآلية فعالة وعادلة لحل النزاعات.